نفحات إيمانية
"ظلال آية"
شيبتني هود وأخواتها
نزلت سورة هود في أحلك الأوقات وأصعبها
بعد عشر سنوات من البعثة
وقد اشتد الاضطهاد والعذاب من قبل المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه
وجاءت السورة لتحكي التوازن الذي يخاطب مشاعر المتدينين
الذين يتألمون لما يقع على المسلمين من ظلم
وما يواجهونه من تكذيب
وتلخص الموقف في الآيتين (112 ـ 113)
" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) " هود
قال القرطبي في الجامع:
" والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله.
وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك !
قال: " قل آمنت بالله ثم استقم ".
(ومن تاب معك)
أي استقم أنت وهم، يريد أصحابه الذين تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من أمته
.
قال ابن عباس ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب !
فقال: " شيبتني هود وأخواتها "."
"{ وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الذين ظَلَمُواْ } ولا تميلوا إليهم أدنى ميل فإن الركون هو الميل اليسير كالتزيي بزيهم وتعظيم ذكرهم واستدامته . { فَتَمَسَّكُمُ النار } بركونكم إليهم وإذا كان الركون إلى من وجد منه ما يسمى ظلماً كذلك فما ظنك بالركون إلى الظالمين أي الموسومين بالظلم ، ثم بالميل إليهم كل الميل ، ثم بالظلم نفسه والانهماك فيه ، ولعل الآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه ، وخطاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين بها للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل ، فإن الزوال عنها بالميل إلى أحد طرفي إفراط وتفريط فإنه ظلم على نفسه أو غيره بل ظلم في نفسه ."
وقال سيد قطب رحمه الله في ظلال القرآن :
"{ ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار }
لا تستندوا ولا تطمئنوا إلى الذين ظلموا . إلى الجبارين الطغاة الظالمين ، أصحاب القوة في الأرض ، الذين يقهرون العباد بقوتهم ويعبّدونهم لغير الله من العبيد . . لا تركنوا إليهم فإن ركونكم إليهم يعني إقرارهم على هذا المنكر الأكبر الذي يزاولونه ، ومشاركتهم إثم ذلك المنكر الكبير .
{ فتمسكم النار } . .
إحذر/ي يامن تعدون العدة لمشاركة الكفار أعيادهم
أمر بالاستقامة ونهي عن الطغيان وعدم الركون إلى الظالمين، أوامر ونواه عظيمة من الله عز وجل البصير بأحوالنا، العالم بأفعالنا وما تقترفه جوارحنا، أمر كان ونهي كانا من أشد ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما ذكر في بعض الروايات أنها الأشد، على كل مسلم أن يلتزم بها فيبقى مستقيماً على الدرب، درب الله درب الحق، فلا يطغى ولا يركن إلى ظالم ولا يداهن أحداً في ذلك مهما كلفه هذا الأمر، وإلا فإن النار والعياذ بالله ستمس والله أعلم كم يطول ذلك المس أم يقصر فيمن يحيد عن الطريق ويميل إلى ظالم أدنى الميل!
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المستقيمين على أمره
الثابتين على طاعته
البعيدين عن الطغيان ومخالفة حكمه
وأن يجنبنا الظالمين ويعجل لنا بالفتح والنصر المبين.
اللهم آمين